top of page

تاريخ سيكوي-أفق

في العقود الأولى لقيام الدولة وحتى السبعينيات، أقيمت الشراكات اليهودية-العربية على الساحتين السياسية والاجتماعية في إسرائيل في الأطر الحزبية وفي نقابة العمال العامة-الهستدروت على وجه الخصوص. مع زيادة وتعزيز التمثيل العربي، المظاهرات الحاشدة في "يوم الأرض" في عام 1976 وإقامة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة كإطار عربي-يهودي واسع النطاق، تعززت الشراكة في إطار النضال من أجل المساواة في الحقوق، واستمرت هذه الوُجهة في عقد الثمانينيات أيضًا، الذي اتسم بصحوة وطنية بين الجماهير العربية.

 

شهد عقد التسعينيات مفاوضات مباشرة، ولأول مرة، بين أحزاب السلطة وأحزاب تمثل المجتمع العربي، على دعم الحكومة. أفضت المفاوضات إلى اتفاقات سياسية بين الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب العربي الديمقراطي وبين حزب العمل، نتجت عنها استثمارات حكومية غير مسبوقة في البلدات العربية مقابل الدعم الخارجي للحكومة ضمن تجرية "الكتلة المانعة". كانت حكومة رابين أول من يقترح خطة حكومية حقيقية لتقليص الفجوات بين اليهود والعرب، وفي الفترة التي تلت ذلك، تعزز نشاط منظمات المجتمع المدني أمام الحكومة. لاقت هذه المسألة اهتمامًا عالميًا، مما أدى إلى ضخ ميزانيات للمؤسسات الناشطة في مجال المساواة في الحقوق.

 

في أعقاب تشكيل حكومة رابين والمفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية والتوقيع على اتفاقيات أوسلو، ساد الشعور بأنّ قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل أصبح وشيكًا. في بادئ الأمر، بدا أنّ أجواء المصالحة ستخفف من حدة التوتر بين المواطنين العرب ودولة إسرائيل - الدولة التي تحتل أبناء شعبهم. ولكن في الوقت ذاته، تعززت لدى المواطنين العرب مشاعر الإحباط لأنّ قضية المجتمع العربي في إسرائيل لم تطرح بتاتًا على طاولة المفاوضات بين الحكومة ومنظمة التحرير الفلسطينية.  كان لهذه الأحداث، إلى جانب مقتل رابين وتبادل السلطة في إسرائيل، تأثير عميق جدًا على المجتمع العربي، إدراكًا منه بأنّ إقامة دولة فلسطينية لن يسهم على الأرجح في حلّ ضوائقه. وبدّدت هذه الاتفاقيات من التوقعات بأنّ إنهاء الاحتلال سيخفف من حدة الكراهية والخوف بطريقة تضع مسألة المساواة على رأس سلم الأولويات. ولّدت هذه الأحداث أفكارًا مختلفة مرتبطة بمفهوم المواطنة في المجتمع العربي- حيث تأسست حركة التجمع الوطني الديمقراطي التي روّجت لفكرة دولة جميع مواطنيها، وتطورت إلى جانبها نزعة ليبرالية تروّج لقابلية الانضمام إلى المؤسسات الإسرائيلية القائمة والحركات الناشطة من أجل تكافؤ الفرص داخل إطار دولة إسرائيل. 

صبّ ألوف هاريفين، مبعوث وزارة الخارجية سابقًا، جلّ اهتمامه في قضية المساواة بين المواطنين اليهود والعرب في ثمانينيات القرن الماضي في معهد فان لير. بعد سنوات طويلة من العمل في سلك خدمات الدولة وفي المعاهد البحثية، سعى هاريفين لتأسيس جمعية تدعم تكافؤ الفرص للعرب في إسرائيل.

في تلك الفترة، كان طالب الدكتوراه في الخدمة الاجتماعية، فيصل عزايزة، يبحث عن طريقة يسهم من خلالها في تقليص الفجوات بين اليهود والعرب. توجّه إلى صناديق مختلفة لدعم النشاط في هذا المجال، والتقى بمتبرع يدعى ستيفِن ريسكين، الذي اقترح عليه الالتقاء بناشط يهودي يشاركه نفس الرؤية. "اقترح ريسكين التواصل مع ألوف هاريفين لتوحيد القوى، والتقينا عندها في معهد فان لير"، يقول عزايزة "آمنتُ بأنّ تأسيس منظمة مشتركة سيكون أكثر فاعلية، ولذلك، وافقت على أن نعمل معًا، وبدأنا فورًا بإجراءات تسجيل الجمعية".

 

على خلفية تعزيز نضال المواطنين العرب من أجل المساواة، وطرح الخطاب الليبرالي في تلك الفترة، أخذت الوزارات المختلفة تبدي انفتاحها وجاهزيتها لمعالجة إشكالية الفجوات بين اليهود والعرب، ولكنها واجهت صعوبة في الحصول على معطيات موثوقة حول هذه المسألة. لذلك، قام ألوف هاريفين وفيصل عزازيزة في عام 1991 بتسجيل جمعية "سيكوي- مركز لدعم تكافؤ الفرص"، التي أصبحت أول منظمة مشتركة تبحث وتقدم معطيات صحيحة وموثوقة حول الفجوات القائمة بين اليهود والعرب في إسرائيل. أقيمت الجمعية، لتكون المنظمة الوحيدة المشتركة للعرب واليهود التي تعمل من أجل تغيير السياسات وتحقيق المساواة في إسرائيل.

אלוף ופייסל.jpg

فيصل عزايزة (على يمين الصورة) وألوف هاريفين (على يسار الصورة)، مؤسّسا سيكوي، وأول مديريْن عاميْن مشاركيْن للجمعية

شكّل نشوء جمعية سيكوي، إلى حد كبير، دلالة على الاعتراف المتغلغل في أوساط النخبة الحاكمة في إسرائيل بأنّ المواطنين العرب باقون هنا ولن يذهبوا إلى أي مكان آخر، وبأنّ تحقيق تكافؤ الفرص للعرب واجب عليها. قاد هاريفين وعزايزة الجمعية إيمانًا منهما، خلافًا لآخرين، بأنّ النضال من أجل المساواة المدنية يجب أن يكون مشتركًا: القيادة، الإدارة واتخاذ القرارات بشكل مشترك ومتساوٍ بين اليهود والعرب.

ولكن الفجوات برزت في الجمعية نفسها أيضًا: فقد كان عزايزة مديرًا عامًا شابًا في مقتبل العمر، بينما كان هاريفين مديرًا عامًا ستينيًا، مع سنوات طويلة من الخبرة في سلك خدمات الدولة، ووجهًا مألوفًا في الوزارات. الغالبية العظمى من أعضاء الهيئة الإدارية كانوا من اليهود، موظفين سابقين في سلك خدمات الدولة، إلى جانب بضعة أعضاء عرب عملوا في وظائف أكاديمية.

 

كانت كلمتا "المساواة والدمج" الشعار الذي رافق التقارير الأولى التي صدرت عن جمعية سيكوي. وفي تلك الفترة، تمحور نشاط الجمعية حول التأثير على السياسات الحكومية، وتم التركيز على إرسال رسائل للوزارات والاستعانة بشبكة العلاقات الشخصية لطلب إيلاء انتباه واهتمام للفجوات المذكورة في التقارير وعلى وسائل الإعلام، خاصةً في صحيفة "هآرتس". في تلك الفترة، كان توجه جمعية سيكوي، التي استندت نظرية التغيير خاصّتها إلى الحوار والتعامل المباشر مع المسؤولين الحكوميين، توجهًا مبتكرًا وغير مسبوق في المجتمع المدني. حتى ذلك الحين، ساد الاعتقاد أنّه لا يمكن تغيير السياسات الحكومية من خلال العمل مع المسؤولين الحكوميين، ولذلك، تم التركيز أساسًا على الاحتجاج. 

תיירות ערבי.PNG

صحيفة "حداشوت"، 30.12.92

ילדים ערבים בעוני.PNG

صحيفة "حداشوت"، 18.12.91

في عام 1992، غادر عزايزة البلاد للدراسة في لندن، وعُيّن مكانه أسعد غانم. في تلك الفترة، استندت الجمعية في عملها إلى العلاقات المتشعبة لأعضاء الهيئة الإدارية اليهود الذين أخذوا على عاتقهم مهمة إقناع أصدقائهم في سلك خدمات الدولة بأهمية تحسين وضع المواطنين العرب. من وجهة نظرهم، كان من الضروري إقناع الوزارات بأنّ تحسين جودة حياة المواطنين العرب على المستوى المادي سيؤثر إيجابًا على حياة المواطنين اليهود.

بالإضافة إلى ذلك، تعاونت "سيكوي" في تلك الفترة مع نواب برلمانيين وجهات أخرى لزيادة نسبة المواطنين العرب في سلك خدمات الدولة. وعلى خلفية ذلك، أُدخلَ في عام 2000 تعديلٌ على قانون سلك خدمات الدولة، يُلزم الدولة بضمان التمثيل اللائق للمجتمع العربي في جميع الرتب والوظائف، وفي جميع الوزارات والمكاتب الحكومية الخاضعة لإشرافها. ألزم هذا التعديل الدولة بوضع هدف قابل للقياس لزيادة نسبة تمثيل الموظفين العرب في سلك خدمات الدولة. تم تطبيق القانون بعد سنتين بواسطة قرار حكومي ينص على أنّه حتى العام 2012، يجب أن يكون ما نسبته %10 من موظفي سلك خدمات الدولة من المجتمع العربي.

חוק שירות המדינה.PNG

ينصّ التعديل 11 لقانون سلك خدمات الدولة على وجوب التمثيل اللائق للمواطنين العرب، كانون الأول 2000

"لن نكون بعد الآن هؤلاء الطيبين الذين يستجدون المعونة الحكومية": التحوّل إلى جمعية معارِضة

 

من نهاية تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة، وقعت سلسلة أحداث مفصلية على الساحة الاجتماعية، السياسية والمدنية في إسرائيل. أدت هذه الأحداث إلى تحولات عديدة انعكست في التغييرات التي حدثت في الجمعية. في عام 1998، تقلد شولي ديختر منصب المدير العام المشارك، بدلًا من مؤسس الجمعية ألوف هاريفين، الذي رغب في إنهاء الخدمة. رافق هذه التغييرات الإدراك بأنّ نشاط الجمعية يجب أن يكون أكثر معارضةً وأكثر مساءلةً تجاه السلطة الحاكمة، وأقل لطفًا وتوددًا. آمن المديران العامان المشاركان، غانم وديختر، بأنّ الجمعية يجب أن تكون أكثر نشاطًا وجذرية. وترسّخت لدى طاقم الجمعية القناعة بأنّه لدعم تغييرات سياسات بشكل جذري، يجب السعي لتغيير جذري في طريقة تعاملهم مع الوزارات. "لن نكون بعد الآن هؤلاء الطيبين الذين يستجدون المعونة الحكومية، بل كيان يعارض الحكومة ويتواجه معها"، يقول ديختر. يفيد أيضًا بأنّ تغيير التوجّه لدى طاقم الجمعية لم يرق للهيئة الإدارية، "بل وقامت أيضًا بتوبيخنا بسبب مظاهرتنا نظمناها مع لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية".

في تلك الفترة، حذّر المديران العامان من تفاقم حدة التوتر بين اليهود والعرب في البلاد. ومع صدور تقرير سيكوي في حزيران 2000، نشر ديختر على موقع Ynet مقالة رأي حذّر فيها من أنّ البعض "يربط المكانة المدنية للمواطنين العرب في إسرائيل بـ "نسيج علاقات حساس" بينهم وبين اليهود. بطبيعة الحال، فإنّ نسيج العلاقات الحساس هو شيء هش وقابل للتمزق، والحفاظ عليه يضمن استمرارية الوضع القائم - أي واقع اللامساواة، والذي لا يضمن بالطبع أي استقرار في العلاقات بين المواطنين العرب واليهود. بكلمات أخرى، فإنّ نسيج العلاقات الحسّاس هو ركيزة مترنحة لا يمكن الاستناد إليها". تحدّث غانم إلى العديد من وسائل الإعلام لعرض تقرير الجمعية الذي صدر في تلك الفترة، وحذر من أنّ الفجوات والإهمال قد يخلقون إحباطًا شديدًا لدى الشباب. "الشبان العرب جاهزون لصدامٍ مع قوات الأمن"، قال غانم.

אפליה מקלקלת שולי דיכטר.PNG

مقالة رأي نشرها ديختر على موقع Ynet، حزيران 2000

.

10 أيام في أكتوبر  | كان 11 "لا شك في أنّ العرب مواطني إسرائيل يعانون من التمييز المستفحل. قال د. أسعد غانم قبل 3 أشهر ونصف أنّ الشبان العرب جاهزون لصدام مع قوات الأمن".

في تلك الفترة، حذّر المديران العامان من تفاقم حدة التوتر بين اليهود والعرب في البلاد. ومع صدور تقرير سيكوي في حزيران 2000، نشر ديختر على موقع Ynet مقالة رأي حذّر فيها من أنّ البعض "يربط المكانة المدنية للمواطنين العرب في إسرائيل بـ "نسيج علاقات حساس" بينهم وبين اليهود. بطبيعة الحال، فإنّ نسيج العلاقات الحساس هو شيء هش وقابل للتمزق، والحفاظ عليه يضمن استمرارية الوضع القائم - أي واقع اللامساواة، والذي لا يضمن بالطبع أي استقرار في العلاقات بين المواطنين العرب واليهود. بكلمات أخرى، فإنّ نسيج العلاقات الحسّاس هو ركيزة مترنحة لا يمكن الاستناد إليها". تحدّث غانم إلى العديد من وسائل الإعلام لعرض تقرير الجمعية الذي صدر في تلك الفترة، وحذر من أنّ الفجوات والإهمال قد يخلقون إحباطًا شديدًا لدى الشباب. "الشبان العرب جاهزون لصدامٍ مع قوات الأمن"، قال غانم.

وفعلًا، فبعد مرور بضعة أشهر، وعلى خلفية انتفاضة الأقصى، اندلعت احتجاجات مدنية واسعة في المجتمع العربي في إسرائيل، تضامنًا مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، واحتجاجًا على التمييز الحكومي المستفحل منذ عشرات السنين. قوبلت المظاهرات بالقوة والقمع الشديدين من قِبل الشرطة، وقُتل 13 متظاهرًا عربيًا برصاص الشرطة في أحداث أكتوبر 2000 الدامية. أدت هذه الأحداث إلى مراجعات جادّة وعميقة في منظمات المجتمع المدني، مؤكدة صحة توجّه جمعية سيكوي التي رفعت شعار تحقيق المساواة المدنية وتغيير السياسات الحكومية، بدلًا من التعايش التقليدي.

 

أدت أحداث أكتوبر 2000 إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية، لجنة أور. اطّلعت اللجنة على آراء ستة خبراء، من بينهم المديريْن العاميْن المشاركيْن لجمعية سيكوي، غانم وديختر، اللذين مَثَلا أمامها أيضًا. في نهاية مهمّتها، حددت اللجنة في استنتاجاتها أنّ الدولة فشلت في تحقيق المساواة بين المواطنين اليهود والعرب، وأنّ إصلاح الوضع القائم يجب أن يوضع على رأس سلم أولوياتها.  جاء في توصيات اللجنة، من ضمن أمور أخرى، أنّه "يتوجب على الدولة، أولًا وأساسًا، تحقيق المساواة الحقيقية للمواطنين العرب" وأنّه "يتوجب على الأغلبية اليهودية احترام هوية وثقافة ولغة المواطنين العرب". قبلت حكومة إسرائيل توصيات لجنة التحقيق وتعهدت بتطبيقها، ولكن تطبيق التوصيات كان منوطًا بتغيير جذري في التعامل مع المجتمع العربي، ومع حقوقه واحتياجاته.

 

تسببت أحداث أكتوبر بشرخٍ في العلاقة بين المجتمع العربي والدولة، وعززت الشعور بوحدة المصير بين المواطنين العرب في إسرائيل والفلسطينيين في الأراضي المحتلة. على هذه الخلفية، وتزامنًا مع حركات مماثلة في مختلفة أنحاء العالم، تعزز الخطاب الأصلاني- وهو خطاب يضع في المركز الهوية الأصلانية الفلسطينية وجذورها التاريخية، وبحسبه، تسري اصطلاحات الاحتلال على أراضي الـ 48، ويتضمن أيضًا قضية المهجرين الداخليين والأراضي المصادرة. لهذا السبب، بدأ العديد من العرب بإهمال الجهود من أجل المساواة في الحقوق مع التشديد على مواطنتهم في دولة إسرائيل، ودعموا النضال الذي يتمحور حول التاريخ القومي الفلسطيني الذي يعتبر إقامة دولة إسرائيل ثمرة سيرورة استعمارية. في تلك الفترة، تعزز حضور الخطاب القومي الذي وضع على رأس سلم أولوياته حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

 

تطرق تقرير جمعية سيكوي لعام 2001 إلى هذه التغييرات، ودعا الدولة لاتخاذ موقف احتوائي: "في شهر أيار 2001، أصدر وزير البنى التحتية ليبرمان أمرًا بقطع العلاقات مع جميع السلطات العربية التي تحيي ذكرى النكبة. هذا التوجّه، الذي يشترط إعطاء المواطنين حصتهم من موارد البنى التحتية للدولة بمدى ارتباطهم بتاريخها هو توجّه خطير جدًا للعرب واليهود على حد سواء. درجة الشعور بالانتماء للدولة لدى جميع الفئات السكانية تتأثر أيضًا بدرجة استفادتهم من موارد البنية التحتية…كم بالحريّ مشاعر الانتماء لدى المواطنين العرب، وهم أقلية قومية، وبالتالي فإنّ علاقتهم بالدولة تختلف عن سائر الفئات الأخرى. المسؤولية حيال هذه العلاقات لا يمكن أن تُلقى بالتساوي على كاهل الدولة والمجتمع العربي. ففي هذا الموضوع تحديدًا، يقع الجزء الأكبر من المسؤولية في المكان الذي تتواجد فيه كل الموارد- أي على عاتق الدولة، ويتوجب على الدولة بذل قدر أكبر من الجهود لكسب ثقة المواطنين العرب وتعزيز شعورهم بالانتماء المدني".

 

في مساعي البحث عن طريقة للتأثير على الحكومة، أجرت الجمعية بضع محاولات لأداء أنشطتها في مبنى مشترك. في تلك الفترة، نشطت الجمعية على مستويين متوازيين، بحيثُ ركّز المدير العام المشارك ديختر أنشطة المرافعة أمام الوزارات، وإصدار تقارير سنوية والعمل أمام وسائل الإعلام. بينما أدار زميله غانم عمل الجمعية من مدينة طمرة، حيث وضع جل تركيزه في المشروع الذي تم تمويله من قبل وزارة الداخلية ومؤسسة الجوينت لتمكين السلطات المحلية. ولكن في عام 2003، جمّدت وزارة الداخلية الميزانية المخصّصة للمشروع، وواجهت الجمعية صعوبات مالية اضطرتها لإقالة عدد كبير من الموظفين. لاحقًا، أنهى غانم خدمته كمدير عام للجمعية. على الرغم من الصعوبات المالية، كانت للجمعية هيئة إدارية قوية وطاقم ثابت العزم، واللذان سعيا معًا للحصول على تمويل جديد لأنشطة الجمعية، ونجحوا في تجنيد الأموال وموظفين جدد. في عام 2004، تم تعيين مدير عام مشارك جديد، علي حيدر، وبعد عام واحد فقط، افتتحت الجمعية مقرًا جديدًا في حيفا، بدلًا من مكتب طمرة.

 

في تلك الفترة، خاضت الجمعية سيرورة إعادة تنظيم، وتبنت نهج عمل أكثر تشاركًا. تمكّنت الجمعية من التغلب على صعوباتها المالية بفضل تركيز جهود المرافعة في مشروع أقامته الجمعية في عام 2004 سميّ بـ "متابعة أور" – وهو طاقم مهنيّ تَتبّع بشكل جارٍ تطبيق توصيات لجنة أور في أعقاب أحداث أكتوبر 2000. في إطار المشروع، الذي امتد لثلاث سنوات بقيادة أيمن عودة وروعي فولكمان، إلى جانب جبران جبران وراحيلا يناي، عملت جمعية سيكوي أمام الوزارات المختلفة لدعم تطبيق توصيات اللجنة وأقامت أرشيفًا ركّزت فيها مراجع، مقالات، آراء مهنية وأوراق مواقف حول الموضوع. بالإضافة إلى ذلك، نشر نشطاء الجمعية مقالات عديدة، أوراق مواقف ومقالات رأي في وسائل الإعلام للتأثير على الرأي العام وعلى الصعيد العام.

إعادة تنظيم، مشاريع جديدة

 

في أعقاب سيرورة إعادة التنظيم وتبني نهج العمل المشترك، شهدت أنشطة الجمعية في تلك الفترة تطورًا على مستوى السلطات المحلية، من ضمن مستويات أخرى. وبينما تمحور عمل الجمعية في السنوات السابقة حول تحصيل حقوق السلطات المحلية وتحسين الخدمات فيها، تم تركيز الجهود لاحقًا على التوزيع المتكافئ للموارد الإقليمية. في عام 2004، أقامت سيكوي مشروع التعاون البلدي، حيث انتقل الاهتمام من تحسين الخدمات في السلطات المحلية العربية إلى إنشاء تعاون مع السلطات المحلية اليهودية المجاورة، مع التركيز على التوزيع المتساوي للموارد الإقليمية. وفي إطار منتدى رؤساء السلطات المحلية في وادي عارة، أقيمت شراكة متكافئة في مركز إقليمي لمعالجة مياه الصرف الصحي، أقيمت جمعية "النسيج الأخضر" للمرشدين السياحيين، ووقّعت اتفاقية لإقامة منطقة صناعية مشتركة مع توزيع متساوٍ لضريبة المسقوفات (الأرنونا) التي ستُجبى منها. في عام 2010، أثمر عن هذا المشروع مشروع آخر بعنوان "مناطق مساواة"، والذي قدّم نموذجًا رائدًا للتعاون الإقليمي بين سلطات محلية يهودية وعربية. شكّل مشروع "مناطق مساواة" ملتقى بين سلطات محلية في المثلث الجنوبي وفي منطقة الناصرة- عيمق يزراعيل لإقامة تعاون في مختلف المجالات في المنطقة مثل السياحة، جودة البيئة وتطوير مناطق صناعية. لاحقًا، مع تطوير نموذج العناقيد في وزارة الداخلية، أثّر عمل الجمعية على الأهمية التي أوليت للتعاون بين العرب واليهود. بالإضافة إلى ذلك، اتحدت السلطات المحلية التي تعاونت معًا في أطار أنشطة الجمعية ضمن عنقود مشترك في إطار نموذج العناقيد التابع لوزارة الداخلية.

joint.png

مقالة في صحيفة "هآرتس" حول مشروع "مناطق مساواة" في وادي عارة، آذار 2010

في مجال العمل أمام الحكومة، سعت سيكوي لإقامة "سلطة للمساواة" من أجل التخصيص المتساوي لموارد الدولة. حتى عام 2006، كان مجلس الأمن القومي الجسم المسؤول عن بلورة السياسات بخصوص المجتمع العربي، وبالتالي، تعامل المجلس مع هذه المسألة من منظور "الأمن القومي". لذلك، رأت الجمعية أنّ سلطة المساواة يجب أن تقام ضمن إطار حكومي، لتتم معالجة قضية المساواة بين اليهود والعرب بأدوات مدنية وليس أمنية. رأت الحكومة في حينه أنّه يتوجب على العرب تغيير نمط حياتهم بما يتماشى مع أطر التمويل الحكومية، وقد تمحورت مساعي إقناع الحكومة حول وجوب تغيير التوجه الحكومي على وجه التحديد، لتبادر بنفسها لإتاحة الخدمات للمواطنين العرب. نُشر في تقرير جمعية سيكوي لعام 2004  نداء لـ "إقامة 'سلطة للمساواة' التي تستهدف الوزارات، ومهمتها هي تعميم وتجذير أنماط تفكير متكافئة في الوزارات وتخصيص متكافئ للموارد من قبلها".

 

في أعقاب هذه الجهود، أقيمت في عام 2007، في ديوان رئيس الحكومة، سلطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي- وذلك بهدف بلورة سياسات للنهوض بالاقتصاد والتشغيل وسدّ الفجوات بين اليهود والعرب. أقام ديوان رئيس الحكومة في حينه مؤتمرًا خاصًا شارك فيه ممثلو لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، ومدراء عامون لسِت وزارات مختلفة، وقدّمت خلاله جمعية سيكوي توصياتها في هذا الشأن.

في عام 2006، نشرت سيكوي لأول مرة مؤشر المساواة - وهي أداة قياس تستعرض بشكل منهجي معطيات كميّة شاملة حول التمييز ضد المواطنين العرب في تخصيص الميزانيات الحكومية. تم تطوير المؤشر بالتعاون مع نخبة من الخبراء، من بينهم الخبير الإحصائي الحكومي سابقًا، بروفسور يوسي ياهاڤ، ومَن تولوا لاحقًا مسؤوليات مختلفة في إطار المشروع- بروفسور داڤـيد نحمياس عن المجال البلدي، بروفسور راسم خمايسي عن مجال التخطيط، بروفسور محمد حاج يحيى عن المجال الاجتماعي، وذلك بالتعاون مع الخبير الإحصائي في "سيكوي"، ياسر عواد.

 

يتحدث شولي ديختر، المدير العام المشارك للجمعية في تلك الفترة، عن ولادة فكرة المؤشر: "قال لي أحد المسؤولين في ديوان رئيس الحكومة 'حسنًا، لقد أقنعتني، سأنقل مسؤولية بلورة السياسات الحكومية الخاصة بالمواطنين العرب من مجلس الأمن القومي إلى ديوان رئيس الحكومة. ولكنك لا تستطيع القول دومًا أنّك قمت بفحص اللامساواة في بعض البلديات وفي بعض العيادات. هذه مجرد تقارير قصصيّة. إذا كنت تريد إحداث تغيير حقيقي، يجب تزويد الوزارات بمعلومات شاملة ومنهجية حول التمييز المزعوم'. فكرة مؤشر التمييز ولدت من احتياجنا لأداة كهذه". 

 

هكذا طُرح مؤشر المساواة الأول من نوعه في البلاد، والذي أتاح المجال للتحليل المنهجي للفجوات بين اليهود والعرب مواطني الدولة في مجالات اجتماعية-اقتصادية، بناءً على معطيات كمية نشرت رسميًا من قبل سلطات الدولة. جميع المؤشرات التي خضعت للفحص أشارت إلى وجود تمييز منهجي تجاه المجتمع العربي - في مجالات الرفاه، والتشغيل، والتربية والتعليم، والصحة والإسكان. في أعقاب صدور المؤشر، اطلعت "سيكوي" على ردود أفعال الوزارات ذات الصلة، وأجرت بحثًا معمقًا اقترحت من خلاله خططًا وسياسات لسدّ الفجوات. سعت "سيكوي" أيضًا لإدارة حوار حول نتائج مؤشر التمثيل مع الجمهور الواسع ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، ولتعزيز الوعي حول الفجوات القائمة لإثارة جدل عام حول الموضوع.

 

في العام نفسه، 2006، نشرت لجنة المتابعة العليا  للجماهير العربية في إسرائيل واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية  "وثيقة الرؤية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" وقد جاء فيها: "نضع في لُبّ المساواة الوطنية-الجماعية المنشودة للعرب الفلسطينيين مبدأ شراكتهم الكاملة، الحقيقية والمتساوية، كأفراد وكجماعة، في جميع الموارد العامة في الدولة: السياسية ، المادية والرمزية". في الواقع، صوّرت هذه الرؤية المطروحة في الوثيقة مستقبلاً يحظى فيه اليهود والعرب بحقوق متساوية في آليات اتخاذ القرارات الوطنية وفي تخصيص الموارد. في سيرورة بلورة الوثيقة، مثّل الجمعية كلّ من المدير العام المشارك المحامي علي حيدر، والمحامي أيمن عودة.

 

"ليس مجتمعًا مشتركًا، إنّما حيز مشترك": ما بين المساواة والشراكة

على الرغم من هذه السيرورات التي تبعث على التفاؤل والأمل، إلّا أنّ نسبة مشاركة المواطنين العرب في انتخابات الكنيست تدنّت تدريجيًا منذ العام 2033، حيث بلغت %62، وحتى عام 2009 حيث بلغت %53.4. دلّت هذه الوُجهة على الإحباط السائد لدى الناخبين العرب حِيال المنظومة السياسية في إسرائيل، والتي أقصتهم فعليًا عن العملية الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، وعلى خلفية الحرب على غزة، (عملية "الرصاص المصبوب") والمظاهرات الحاشدة ضد العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي، وفي الحملة الانتخابية الشعواء التي بدأت في 2009، أطلق حزب "إسرائيل بيتنا" حملة بعنوان "لا مواطنة من دون ولاء"، حيث دعا لاشتراط منح الحقوق للمواطنين العرب بالتوقيع على "وثيقة ولاء".

على مدار السنوات التي تلت ذلك، طُرحت مبادرات تشريعية عديدة تميّز ضد المواطنين العرب، ومن بينها "قانون النكبة" الذي يسمح بسحب أو تقليص ميزانيات المؤسسات التي تحيي ذكرى النكبة معتبرةً يوم قيام الدولة يوم حداد، وقانون لجان القبول الذي يسمح للبلدات الصغيرة برفض قبول سكان جدد من شأنهم تقويض "نسيجها الاجتماعي والثقافي". في أيار 2020، وفي سياق أسطول الحرية لمساعدة غزة، بلغ التحريض على المواطنين العرب وممثّليهم ذروةً جديدة.

 

في عام 2013، رأى المديران العامان المشاركان، جابر عساقلة ورون غرليتس، أنّه يتوجب على "سيكوي" توسيع نطاق نشاطها وإضافة قضية تعزيز حضور اللغة والثقافة والهُوية العربية في الحيز العام إلى قضية المساواة في الموارد المادية. "لقد عالجنا قضية المساواة المادية لفترة طويلة جدًا"، يقول عساقلة. "نؤمن بأنّنا يجب أن نكون مواطنين متساوي الحقوق، كأفراد وكجماعة. رأيت أنّ الوقت قد حان لأن نطرح على الأجندة العامة القضايا الأخلاقية والتوعوية - التدخل في المناهج التعليمية والاعتراف بنا كمجموعة قومية". ولكن توسيع نطاق عمل الجمعية ليشمل هذه المجالات الرمزية لم يكن سهلاً، وواجهت الجمعية في مسيرتها هذه صعوباتٍ وتحدياتٍ جمّة.

 

ظنّ بعض أعضاء الطاقم والهيئة الإدارية للجمعية أنّ "سيكوي" غير قادرة على رفع راية الشراكة اليهودية-العربية. شعر هؤلاء الأعضاء بوجود خلاف بين نشطاء الجمعية حول المبنى المستقبلي للدولة، ولذلك، وَجَب عليها التركيز على غاية واحدة فقط- تحقيق المساواة بين اليهود والعرب. في نهاية المطاف، تم التوصل إلى تسويةٍ بين الأطراف، وفي إطارها، وسّعت الجمعية من نطاق أنشطتها لتشمل الفضاءات العامة المشتركة فقط. "ادّعى البعض أنّنا غير قادرين على الحديث عن الشراكة ما لم نتفق على الشكل النهائي لهذه الشراكة"، يقول غرليتس. "ولذلك، اعترضت بعض الأصوات بشكل قاطع على أن تخوض سيكوي في مسألة الشراكة. في التسوية التي توصلنا إليها، تحدد أنّ الأنشطة المخطط لها ستُعنى بالحيز العام المشترك فقط- ليس مجتمعًا مشتركًا، إنّما حيز عام مشترك تكون فيها اللغة والهوية والثقافة العربية حاضرة".  

 

ابتداء من عام 2010 فصاعدًا، تعزّزت أصوات صنّاع القرار والرأي العام الداعين لتحقيق المساواة وتقليص الفجوات بين اليهود والعرب. وبرز في هذا الصدد توجّه إيجابي، وفي إطاره بدأ المسؤولون الحكوميون الداعمون للمساواة بتناول الموضوع والعمل علنًا على تحسين الوضع، وذلك إلى جانب تعزيز قوة مختلف الجهات في المجتمع المدني وفي سوق العمل والتي ساهمت بكل جد ونشاط، مستخدمة وسائل مبتكرة، في التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي وإشراك المواطنين العرب في الاقتصاد الإسرائيلي. تطوّر هذا التوجّه من منطلق دوافع مختلفة لدى صناع القرار في الحكومة - فقد عمل البعض منهم من منطلقات أيديولوجية تدعو لتحقيق العدل والمساواة، بينما تابع آخرون بقلق توقعات كبار الخبراء الاقتصاديين في وزارة المالية، والذين أثبتوا أنّه بدون المشاركة الكاملة للمواطنين العرب، فإنّ الاقتصاد سينهار بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) سدّ الفجوات التي يعاني منها المجتمع العربي والمتزّمتين اليهود (الحريديم) شرطًا لقبول إسرائيل عضوًا في المنظمة.

כלכלה חרדים אנגלית.png

توقعات تحذّر من أنّه بدون المشاركة الكاملة للمواطنين العرب- فإنّ الاقتصاد سينهار بالكامل، أيار 2013

وعلى خلفية ذلك، تعزّزت قناعة "سيكوي" بأنّ السياسات غير المتساوية تنتج في أحيان كثيرة عن التمييز المتعمّد والممنهج، وفي أحيان كثيرة أخرى، فإنّها تنتج عن منظومة عوائق مركبة ومترسخة في منظومتيْ الحكم المحلي والمركزي. إثر إقامة سلطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي قبل ذلك بسنوات، تعزز إدراك الوزارات أنّ اللامساواة هي حقيقة قائمة، وأنّه يتوجب على الدولة السعي لتغييرها. مع ذلك، حتى في الأماكن التي نشهد فيها دافعية عالية لتحقيق المساواة، هناك سلسلة طويلة من العوائق التي يجب إزالتها لتحقيق الهدف. على ضوء ذلك، طوّرت "سيكوي" نموذج "من العوائق إلى الفرص" - وهو نموذج رائد يتيح المجال لفحص وتقييم سياسات الحكومة والفهم المعمّق للأسباب وراء التمييز الحكومي تجاه المواطنين العرب. لم يكتف النموذج باستعراض واقع اللامساواة، بل أشار إلى العوائق التي تحول دون تغيير الوضع القائم، واقترح حلولاً لمواجهة هذه العوائق. "أعتقد أنّ هذه النموذج هو خطوة رائدة لجمعية سيكوي، من حيث قدرتها على فهم العوائق التي تحول دون التخصيص المتساوي للموارد، ويموضعها كأحد اللاعبين الأكثر مركزية ومهنية في المجال"، قال المدير العام المشارك في حينه، رون غرليتس: "منذ أن طوّرنا النموذج في العام 2010، أجرينا حتى الآن نحو 10 أبحاث حول السياسات تستند إليه، وقد حلّلنا من خلاله الأسباب وراء التمييز في التسويق للأراضي، في ميزانيات الرفاه، في خدمات المواصلات العامة وغير ذلك، ونجحنا في بلورة توصيات سياسات ساهم عدد منها في نهاية المطاف في تغيير السياسات وتقليص التمييز".
 

"סיכוי سيكوي ואופק أُفُق": من المساواة المدنية إلى المساواة والشراكة

 

في عام 2011، اندلع الربيع العربي- موجة الاحتجاجات الديمقراطية في بلدان عربية في الشرق الأوسط، والتي تفاقمت حدتها في بعض الحالات وتحولت إلى حروب أهلية دامية. أثّر الربيع العربي بعواقبه الوخيمة على المجتمع العربي في إسرائيل، وخاصة على إيمانه بالنضالات الاجتماعية والمدنية. ساد في أوساط المواطنين العرب شعور عميق بخيبة الأمل من عدم قدرة البلاد العربية على التعامل مع الاحتجاجات الشعبية، والتي تحوّلت في الكثير من الحالات إلى أعمال عنف دموية. تشير بعض التحليلات إلى أنّ رياح التغيير هذه سرّعت من تشكيل القائمة المشتركة في عام 2015 والآمال التي علّقت عليها وعلى قدرتها على وضع احتياجات ومتطلبات المجتمع العربي على رأس سلم الأولويات. عامل آخر أثّر في تشكيل القائمة المشتركة هو رفع نسبة الحسم، والذي طُرح للتصويت في الكنيست في عام 2014 في محاولةٍ لاستبعاد الأحزاب التي تمثل الجماهير العربية من الكنيست. لأول مرة، ترشحت للانتخابات البرلمانية في إسرائيل قائمة سياسية تضم جميع الأحزاب الناشطة بين الجماهير العربية في الدولة، وفي أعقاب ذلك، بلغ تمثيل المجتمع العربي في الكنيست أوجَه مع 13 مقعدًا.

 

في تلك الفترة، تعاونت "سيكوي" مع لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية وسلطة التطوير الاقتصادي من أجل المصادقة على خطة للتطوير الاقتصادي في المجتمع العربي، وملاءمتها لأقصى درجة ممكنة لاحتياجات المجتمع العربي. على خلفية التغييرات السياسية في إسرائيل واتساع نضالات المجتمع العربي وزيادة تمثيله في الكنيست، وعلى خلفية إدراك الوزارات تدريجيًا أنّ إقصاء المواطنين العرب من سوق العمل يلحق ضررًا جسيمًا بالاقتصاد كلّه - صدر أخيرًا القرار الحكومي 922.  يستند هذا القرار غير المسبوق إلى الاعتراف الحكومي بالتمييز في الميزانيات تجاه المجتمع العربي، وقد شمل إصلاحًا للعديد من الإشكاليات في آليات الرصد الحكومية للمجتمع العربي في سلسلة من المجالات المتعلقة بالتشغيل والتطوير الحضري. أدى القرار أيضًا إلى تخصيص نحو 10 مليارات شيكل جديد للمجتمع العربي. كان واضحًا لإدارة الجمعية في حينه أنّ المصادقة على ميزانية كبيرة كهذه للمجتمع العربي هي بشرى سارة، ولكن الاختبار الحقيقي يكمن في الميزانيات التي سيتم استغلالها وتخصيصها بشكل فعلي. لذلك، أقدمت الجمعية في الفترة التالية للمصادقة على القرار 922 على توسيع قسم السياسات المتساوية بشكل كبير، وتشكيل طاقم مخططي مدن يعمل على إزالة العوائق أمام السلطات المحلية العربية في تحصيل الميزانيات أمام الوزارات.

 

وعليه، قرر المديران العامان المشاركان للجمعية في عام 2016، رونق ناطور ورون غرليتس، إقامة قسم المجتمع المشترك، لتعميق وتوسيع نشاط الجمعية في كل ما يتعلق ببلورة واقع المجتمع المشترك في إسرائيل. أقيم القسم بهدف النهوض بشتى المجالات، مثل التربية للمساواة والاحترام التي تنادي بالحياة المشتركة، التمثيل اللائق والمنصف للعرب في الإعلام وخلق تغيير في الفضاءات العامة لتوفير حيز متساو وتعزيز مشاعر الانتماء لدى العرب واليهود على حد سواء. وسّعت "سيكوي" أيضًا من نطاق عمل قسم النشاط الجماهيري، والذي دأب على مناهضة التمييز ضد المواطنين العرب في الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. من جملة أنشطته العديدة، نظّم القسم مؤتمرات في هذا المجال، وساهم في كشف الجمهور الواسع على نشاط وتداخل النواب العرب في قضايا مدنية، وأنتج أفلامًا قصيرة لإسماع صوت الشباب العرب، وسعى لمناهضة المنشورات المضلِّلة والتحريضية تجاه المجتمع العربي على شبكات التواصل الاجتماعي.

فيلم "سجّل أنا عربي"

بعد مرور ثلاثة أعوام فقط على المصادقة على القرار الحكومي 922، صوّتت الكنيست في عام 2018 على قانون القومية، الذي ضعضع مكانة العرب كمواطنين متساويين في الحقوق وكأقلية قومية، ومكانة اللغة العربية كلغة رسمية في البلاد.  أدى القانون إلى احتجاجات واسعة وإلى أزمة غير مسبوقة في العلاقات بين الدولة والمجتمع العربي. "شهدنا في تلك الفترة نزعات متضاربة جدًا في العلاقة بين الدولة والمجتمع العربي. شنّت الحكومة هجمة سياسية ضد المواطنين العرب، دمجت بين تشريع معادٍ للعرب، تحريض حكومي ومحاولة للمسّ بالتمثيل السياسي"، يقول غرليتس. "وقفت سيكوي أمام واقع معقد للغاية، حيث كنا نعمل مع حكومة تعتبر الأسوأ للمواطنين العرب، ولكنها في الوقت نفسه دعمت جهودًا غير مسبوقة للحد من التمييز وقامت بتحويل أكبر ميزانيات للمواطنين العرب. ولكن الجمعية لم تتعامل مع الحكومة ككيان متجانس وسيء، وبالطبع لم تعتبرها كيانًا متجانسًا وجيدًا. أعتقد أن تمييز هذه التعقيدات الكامنة في السياسة الحكومية وتعامل جمعية سيكوي مع هذه التعقيدات كانا أهم عوامل نجاح الجمعية طيلة فترة حكم نتنياهو، أي طوال 11 عامَا".

 

في عام 2019، وقعت دولة إسرائيل في أزمة سياسية جرت في أعقابها أربع حملات انتخابية، وخلالها بلغ مستوى التحريض ومساعي نزع الشرعية عن المواطنين العرب ذروات سلبية جديدة ومقلقة. ولكن الأزمة حملت معها فرصة للتغيير، بحيث شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية استقطابًا بين كتلتين. فقد أتيحت لأول مرة، منذ التسعينيات، فرصة للائتلاف بين معسكر المركز-اليسار والقائمة التي تمثل الجماهير العربية. مع تفاقم الأزمة السياسية وتكرار الحملات الانتخابية، تعزز إدراك الجمهور اليهودي لعدم قدرته على تجاهل %20 من مواطني الدولة الذين يطمحون لأخذ دور أكثر فاعليةً وأكثر مركزيةً في مواقع صنع القرار. قبيل الجولة الانتخابية الثانية، التي أجريت في نفس السنة، أعلن رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة في آب 2019 عن استعداده للانضمام إلى ائتلاف المركز-اليسار. ردًا على المحادثات بين أحزاب المركز-اليسار والقائمة المشتركة، بدأ الحزب الحاكم في حينه، حزب الليكود، بتوثيق أواصر العلاقة السياسية مع القائمة العربية الموحدة. على خلفية ذلك، وقبيل الجولة الانتخابية الرابعة خلال سنتين، أعلنت القائمة الموحدة في شباط 2021 - وقد كانت من مركبات القائمة المشتركة - عن انشقاقها عنها والترشّح بشكل مستقل. قبل انتخابات الكنيست التي أجريت في نهاية آذار 2021، نُشر استطلاع  يشير إلى أنّ %87 من الناخبين العرب يؤيدون انضمام الأحزاب الممثلة للجماهير العربية إلى الحكومة، أو المعارضة من الخارج.  انعكس هذا الموقف في نهاية المطاف في تشكيل حكومة بينيت-لبيد مع الانضمام التاريخيّ لحزب يمثل الجمهور العربي، أي القائمة الموحدة، إلى الائتلاف الحكومي.

 

الآن، بمرور 30 عامًا على تأسيسها، تواصل "سيكوي" تعميق وتوسيع نطاق نشاطها وفقًا لرؤيتها التي تصبو نحو خلق واقع قائم على الاحترام والمساواة، على المستويين المادي والرمزي، بين العرب واليهود في إسرائيل. في إطار مساعينا لتحقيق هذه الرؤية، قررت سيكوي تغيير اسمها من "سيكوي لدعم المساواة المدنية" لاسمها الجديد "سيكوي أُفُق - للمساواة والشراكة". تغيير الاسم يعكس الأهمية التي توليها الجمعية لمنح اللغة العربية مكانة مساوية لمكانة اللغة العبرية، بحيث تحمل كل من الكلمتين "סיכוי سيكوي״ ו- ״אופוק أُفُق״ معنى وهوية خاصين بها، ولكنهما تتناغمان وتكملان بعضهما بعضًا.

 

استبدال "المساواة المدنية" بـ "المساواة والشراكة" يعكس اعتراف الجمعية بقيمة الشراكة كنهج عمل، وكواقع اجتماعي نصبو إليه، وبأنّ تحقيق المساواة الكاملة لا يمكن أن يبقى ضمن حدود المواطنة والحقوق الفردية فقط، فهناك جوانب جماعية وقومية متعلقة بالمساواة. على ضوء السيرورات التي يمرّ بها المجتمع في إسرائيل، والعلاقة بين المجتمع العربي والدولة، توجّه سيكوي-أفق أنظارها إلى المستقبل وهي على ثقة بأنّ الشراكة الحقيقية يجب أن تتضمن تعاونًا عربيًا-يهوديًا يلقى فيه الطرفان معاملة متساوية. نؤمن بشدة بأنّ هناك أمل لبلوغ أفق المساواة والشراكة.

bottom of page